responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 672
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما [النِّسَاء: 135] عَلَى قَوْلِ وَنَقْلِ بَعْضِ تَلَامِذَةِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ عَبَسَ [11- 13] إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةَ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ اعْتِرَاضًا لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ لَا يَكُونُ مَعَ الْفَاءِ وَرَدَّهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ لِمُنَافَاتِهِ كَلَامَهُ فِي آيَةِ سُورَةِ النَّحْلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ
الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ رُكْنَاهُ فَالْأَمْرُ بِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالدَّوَامِ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ.
وَقَوْلُهُ: وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ مُنَاسِبٌ لِلْأَمْرِ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلِلْأَمْرِ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ. وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ قَدْرَ عَفْوِكُمْ وَصَفْحِكُمْ وَلَكِنَّهُ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمُ جَوَائِزَهُ ... لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ تَذْيِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَالْبَصِيرُ الْعَلِيمُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَن عدم إِضَاعَة جَزَاءِ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ لِأَنَّ الْعَلِيمَ الْقَدِيرَ إِذَا عَلِمَ شَيْئًا فَهُوَ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبُهُ إِذْ لَا يُذْهِلُهُ جَهْلٌ وَلَا يَعُوزُهُ عَجْزٌ، وَفِي هَذَا وَعْدٌ لَهُمْ يَتَضَمَّنُ وَعِيدًا لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بَصِيرًا بِمَا يَعْمَلُ الْمُسْلِمُونَ كَانَ بَصِيرًا بِمَا يعْمل غَيرهم.
[111، 112]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
عَطْفٌ عَلَى وَدَّ كَثِيرٌ [الْبَقَرَة: 109] وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ قَوْلِهِ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا [الْبَقَرَة:
109] الْآيَةَ اعْتِرَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالضَّمِيرُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى. وَمَقُولُ الْقَوْلِ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْقَائِلِ فَالْيَهُودُ قَالَتْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا، وَالنَّصَارَى قَالَتْ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصَارَى، جمع الْقُرْآنُ بَيْنَ قَوْلَيْهِمَا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِيجَازِ بِجَمْعِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ وَهُوَ نَفْي دُخُولِ الْجَنَّةِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَحْذُوفِ لِأَجْلِ تَفْرِيعِ الِاسْتِثْنَاءِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ تَفْرِيقٌ مَا اخْتَصَّ بِهِ كُلُّ فَرِيقٍ وَهُوَ قَوْلُهُ:
هُوداً أَوْ نَصارى

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 672
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست